جاستــــــــــــــــــــــا ضربة للشرعية الدولية.. والسيادة الوطنية..

  

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين  وبعد،،،

فلعل قانون جاستا هو القانون الأبرز الذي شغل حيزاً كبيراً في العالم بأسره على المستوى الإعلامي والرسمي والقانوني ، حتى أني أكاد أجزم أنه القانون الأشهر الذي شغل العالم منذ ظهور القوانين المكتوبة ، ليس لأنه قانون نادر أو مكتوب بمداد من ذهب ، ولكنه يشكل أول بادرة تنتهك السيادة الوطنية للدول ، ويضرب الشرعية الدولية ، المتمثلة بالاتفاقيات الأممية ، السياسية والقانونية والتجارية والاقتصادية ، بل إن من سعى لتشريعه أراد ان يفرض هيمنة جديدة على العالم ، ولعل أمريكا صارت تجدد دماءها في عقول الآخرين فلا تخلو فترة من الفترات ، إلا وتظهر أمراً تجعل الناس يتحدثون عنها ، وهي في نهاية المطاف لا تقصد من وراء ذلك كله إلا الابتزاز السياسي للدول بطريقة أو بأخرى ، فما الذي يشكله جاستا من خطورة على العلاقات الدولية؟؟ وما الذي يشكله من خطورة على السيادة الوطنية؟؟؟ وهذان المحوران اللذان سنتحدث عنهما في هذه المشاركة حول هذا القانون والنظر إليه من وجهة نظر قانونية.

المحور الأول : تأثير جاستا على السيادة الوطنية:

إن جاستا وإن كان قانوناً أمريكياً صرفاً إلا أنه يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية للدول الأخرى ، فالقانون يجيز للحكومة الأمريكية معاقبة الدول التي ترعى الإرهاب ، وهو هنا لم يحدد الدول التي ترعى الإرهاب ، وفي نفس الوقت لم يحدد ماهية الإرهاب الذي تراه الحكومة الأمريكية إرهاباً ، بل سعى لأن يجعل كل هذه التعريفات والمصطلح مجهولة الهوية ، لأجل أن يتم استخدام هذا القانون على نطاق واسع ، وهنا لا بد ان نعرج على بعض الآثار القانونية المترتبة على هذا القانون فيما يتعلق بالسيادة الوطنية للدول ومنها ما يلي:

1/ عدم وجود أمن داخلي في الدول التي ترى أن أمريكا تصنفها كدول راعية للإرهاب ، وذلك بانها ستصبح عرضة في أي وقت للمحاسبة أو المعاقبة لأي سبب قد تراه أمريكا سبباً شرعياً دون الحاجة للرجوع إلى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ، حيث أن هذا القانون يسمح لأمريكا العقاب لهذه الدولة أو تلك دون الرجوع إلى المنظمات الدولية.

2/ التخوف من الدول التي تخشى تصنيفها كدول راعية للإرهاب من الاستثمار في أي بلد آخر خارج حدود دولتها ، وذلك لأن أمريكا باستطاعتها التعاون مع حلفائها من الغرب ومن غيرهم لأجل أن تتم معاقبة هذه الدولة أو تلك من خلال أموال الدولة الموجودة لدى الدولة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية ولعل هذا الأمر هو الغاية التي سعت لها أمريكا لسَّن هذا القانون .

3/ عدم قدرة البلدان الصغيرة وخصوصاً بلدان العالم الثالث ومنه بلا شك أغلب الدول العربية والإسلامية من فرض سيطرتها على مواطنيها ، حيث أنه ما دام أن هناك دولة تستطيع معاقبة دولته بشكل عام فإنه باستطاعته أن تفرض عقابها على مواطن أو مجموعة من المواطنين من تلك الدول دون الحاجة للرجوع إلى حكومته ، وهذه هي ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية الفوضى الخلاقة التي خطط لها منذ زمن بعيد.

4/ شعور البلدان المتخوفة من تصنيفها في المستقبل كدول راعية للإرهاب من القيام بأي عمل يحقق مصالحها أو يحفظ أمنها كشراء أسلحة معينة من دولة غير أمريكا ، وذلك لأنه بمجرد أن تشتري سلاحاً من هنا أو هناك أو تفكر في إنتاجه سيتم تصنيفها كدولة راعية للإرهاب ، وهنا يظل الشعور بنقصان السيادة موجوداً لدى أغلب الدول.

5/ لجوء الدول إلى سن تشريعات مماثلة لهذا القانون ، وهي في حقيقة الأمر لا تملك الإمكانيات الكافية لتطبيق هذه التشريعات على الواقع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا بحد ذاته يعطي أمريكا حافزاً لتفعيل هذا القانون تفعيلاً فعلياً كونها تملك الأدوات والإمكانيات اللازمة لذلك ولهذا فإننا نطالب بتشريع عام للحكومات الإسلامية والعربية لأن يكون تشريعاً موحداً لمواجهة هذا القانون .

 

المحور الثاني: تأثير جاستا على العلاقات الدولية:

أما عن تأثير جاسا على العلاقات الدولية والاتفاقيات الأممية ، فإن الجوانب السلبية لهذا القانون كثيرة ، وذلك لأن العلاقات الدولية تقوم أساساً على الثقة والاحترام المتبادل بين الدول ، إضافة إلى المصالح المشتركة التي تسعى كل دولة للحفاظ على مصالحها ، وبالمقابل تسعى للحفاظ على مصالح الدولة الأخرى لأجل أن يتم التعاون المشترك بين الدول ، وهنا تأتي الآثار السبية المترتبة على هذا القانون في العلاقات الدولية لتشكل ضربة قاضية لهذه العلاقات القائمة على أساس الاحترام والمصالح المشتركة، ومن تلك الآثار ما يلي:-

1/ التقليل إلى حد كبير من قيمة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالسيادات الوطنية للدول ، والتي قامت على أساسها العلاقات الدولية منذ تأسيس عصبة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الأولى ، كونه بات من السهل أن تقوم دولة باتهام دولة أخرى لأي سبب وفي أي وقت.

2/ بعثرة العلاقات الدولية لأتفه الأسباب ، فالدولة التي من الممكن أن تصنف كراعية للإرهاب ، وتتعرض للعقاب لن تقبل الأمر من الحكومة الأمريكية كجزئية بسيطة يمكن التغاضي عنها ثمَّ ينتهي الأمر ، بل إن كافة العلاقات بينها وبين أمريكا ستصبح في خانة العداء التام ، لأن العلاقات الدولية بين الدول لا يمكن تجزئتها بل هي علاقات كاملة يزيدها حدث ،  وينهيها حدث آخر.

3/ ستعيش الدول بمجموعها في عزلة تامة وذلك لأن الثقة التي لطالما تغنت بها الدول فيما بينها باتت أمراً مشكوكاً في صحته ، فمن السهل أن تصدر أي دولة تشريعاً شبيها بجاستا ، في أي زمان ومكان وضد من تشاء من الدول ، وهنا تصبح الأمور فوضوية أكثر من كونها مرتبطة بمواثيق وأحكام دولية.

4/ صار من حق أي مواطن في أي بلد أن يرفع دعوى ضد حكومة معينة ، وبالتالي فإن سفارة كل دولة في دولة أخرى لم تعد ارضاً أجنبية كما هو المعهود ، بل صارت أرضاً وطنية كون الحواجز القانونية التي لطالما قامت على أساس الحصانة الدبلوماسية ذهبت أدراج الرياح جراء صدور هذا القانون وآثاره السلبية.

5/ إن هذا القانون يشكل صربة للشرعية الدولية والمنظمات القائمة على تطبيق هذه الشرعية وعلى رأسها الأمم المتحدة ، كون هذه المنظمة قائمة على أسس واتفاقيات صبت جميعها في إقامة علاقة متوازنة بين الدول صغيرها وكبيرها ، وحينما تسمح دولة لنفسها أن تحاسب دولة أخرى لأجل تصرف من هنا أو هناك ، فإن هذا يلغي دور هذه المنظمة جملة وتفصيلاً وهذه هي الفوضى بعينها.

الإخوة جميعاً:

إننا لا بد أن نقف وقفة واحدة ساسة ورجال قانون ومنظمات المجتمع المدني في وجه هذا القانون الذي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية منه أن يكون كسياسة العصا والجزرة ، حيث سمحت لنفسها أن تحاسب دولاً على أخطاء أفرادها إن صحت أصلاً ، وأرادت من هذا القانون أن تعطي لنفسها سلطة تفوق سلطة المجتمع الدولي بأكمله ، وفتحت بهذا القانون باباً لإثارة الفوضى في العالم بأسره.

في الختام ، إنني أطالب كافة المجتمعات المتحضرة والمنظمات الدولية والحكومات بالوقوف في وجه هذا القانون ، والمطالبة المستمرة لأمريكا بإلغاء هذا القانون ، أو المعاملة بالمثل مع الولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً وأن علاقاتها متواجدة في أغلب دول العالم ، وعليه فإنه من الضروري أن تتكاتف الدول الإسلامية والعربية على إصدار قانون موحد شاملاً لاتفاقية تعاون فيما بينها لمواجهة هذا القانون الذي لا يقصد من ورائه سوى الابتزاز السياسي للدول .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،

 

                                     المحامي

                                      كاتب فهد الشــــمري

                                     محام مهتم ومتابع لأحداث 11 سبتمبر

                              عضو اللجنة الدولية للدفاع عن معتقلي جوانتنامو