11سبتمبر.. ورقة في الأرشيف الأمريكي

 

 

 

من يتابع السياسة الأمريكية يجدها مبنية على مبدأ التخطيط المسبق ونظرية الاحتمالات المستقبلية ، فهي عادة ما تضع نقطة معينة أمام دولة ولا تريدها في ذلك الوقت ، ولكنها تجعل تلك الورقة موجودة في أرشيفها لتعود بها مرة أخرى للضغط على تلك الدولة ، ولعل من يرجع إلى مذكرات بوش الأب والذي أسماه بمذكرات عاصفة الصحراء أنه اعترف أنه كان باستطاعة الجيش الأمريكي دخول العراق في التسعينات من القرن الماضي ، ولكنهم فضلوا الحفاظ على صدام حسين حينها لأجل أن يبقى ورقة رابحة يساومون بها الدول الخليجية الأخرى، ولكن ما إن بدأ المد الشيعي يزحف رغبت أمريكاً في التخلص منه لأنه لم يعد ورقة رابحة بحسب نظرهم.

والحادي عشر من سبتمبر هو إحدى تلك الأوراق الرابحة المؤرشفة في الأرشيف الأمريكي ، فبينما عقلاء العالم ومدركوا السياسة الأمريكية ومحللي الصور والفيديوهات ، كلهم يجمعون على أن ما حدث في البرجين كان عملاً أمريكياً خالصاً خطط ونفذ من الداخل الأمريكي ، بدليل أن الإنفجارات كانت تتابع بشكل دراماتيكي ومستمر في المبنيين وكأن المبنى انتهت صلاحيته وقام بإسقاطه وهدمه خبراء مهندسي المبنى بطريقة التفجير ، ولم تكن حادثة الطيران إلا إيذانا بالتفجير ولم تكن هي السبب الوحيد في تلك العملية ، إلا أن أمريكا ما زالت تلقي بالتهم هنا وهناك وهذا هو ما يمكن لنا أن نسميه الأرشفة الرابحة.

في الحادي عشر من سبتمبر تحقق لأمريكا عدة مكاسب في وقت واحد ، لم تكن هي محسوبة لدى صقور البيت الأبيض آنذاك ، ويمكن لنا أن نعدد بعضاً من تلك المكاسب في الآتي:

1/ خلقت أمريكا أمام الرأي العام الأمريكي عدواً مجهولاً هو الإرهاب الذي بات شماعة يعلق الرؤساء الأمريكيون أخطائهم عليه ، فصار المتنفس الوحيد لكل عمل قذر يود السياسيون الأمريكيون والعسكر تنفيذه في أي بلد هنا أو هناك والإرهاب الذي ألصقته بالمسلمين والسعودية بشكل خاص .

2/ فتحت أمريكا بهذه الحادثة عهداً جديداً للتسلح على مستوى العالم ، وبات الجميع يرغب في شراء الأسلحة بمختلف أنواعها لأجل أن يدافع عن نفسه ، وأن يقوم بنفس الوقت بمحاربة العدو المجهول المسمى بالإرهاب ، ولا ندري ما كنه هذا الإرهاب الذي ترمي إليه أمريكا حتى هذه اللحظة سوى أنه الإسلام ومن يتبعونه؟؟

3/ جعلت الشعب الأمريكي يعيش بين خيارين أحلاهما مر ، فإما أن تعيشوا برخاء وتكونوا معرضين لخطر الموت في أي وقت ، وإما أن تربطوا الأحجار على بطونكم وتكونون بأمان ، لأن المارينز سيكون متواجداً حتى في المريخ لحمايتكم  ؟!.

وها نحن اليوم نرى تلك الأرشفة تظهر أمامنا جلية واضحة ، فهنا محكمة في نيويورك تتهم النظام الإيراني بأنه وراء تلك العملية ، ونرى اليوم مشروع قرار يتهم السعودية بأنها وراء تلك العملية ، بينما رأينا في الأمس النظام العراقي السابق هو من كان وراء هذا العمل ، كما رأينا القاعدة وطالبان هما من وراء تلك العملية ، ولا ندري من يكون في الغد القريب ؟! ولكننا لن نفاجئ لأن هذا هو من صميم عمل الأرشفة الأمريكية المتحضرة الراعية للحريات والديمقراطية.

إن طبيعة أمريكا جعلتها لا تستطيع العيش دون أن يكون لها عدو وهذا بالفعل ما تنبأ به أحد الكتاب في كتابه ولا يحضرني اسم الكتاب أو المؤلف ولكنه قال خلاصة جميلة مفادها (إن أمريكا ستصل إلى مرحلة تحارب فيها عدواً مجهولا لا تعلم هي من هو) فأمريكا التي مرت عليها فترة من الزمن لم تحارب فيها أحداً خلقت حرباً من نوع آخر وهي الحرب الباردة التي أطلقت على حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، فحتى وهي باردة لا بد أن تكون في الأرشيف الأمريكي حرباً     ( ساخنة أم جامدة أم ماذا نسميها )؟! .

وحينما انتهى عهد السوفيت ونحن المسلمون الذين ساعدنا الأمريكان وحاربنا الشيوعية نيابة عنهم ثمَّ التفتوا إلى المسلمين لأنهم عدوهم الآخر ؟! ورأت أمريكا أنه من الضروري أن تخلق عدواً جديداً خططت ونفذت ودبرت هذه الحكاية التي لم ولن تنتهي حتى تستكمل أمريكا كافة الآثار والتبعات التي وضعتها في حسبانها ، وما يضر إن ذهبت المكاسب للحكومة الأمريكية ، وتحملت شركات التأمين دفع الأضرار الداخلية والخارجية على حدٍ سواء ، فهذه عزيزي العربي المسلم هي سياسة الأرشفة الأمريكية.