ماذا يريد العالم من المملكة؟!

صحيفة الجزيرة يوم الأحد 4/11/2018 م

المحامي الدولي كاتب الشمري 

 من الطبيعي جداً أن يُقتل شخص ما في أي مكانٍ ما وفي أي وقتٍ ما، ومن الطبيعي أن تحصل تجاوزات من قبل البعض لصلاحياتهم أو الخروج عن المهمة التي كلفوا بها، وهذا أمر استقر عليه الناس قديماً وحديثاً، ولكن ما ليس طبيعياً أن تحدث كل هذه الضجة حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي وبأسلوب منظم وكأن العالم يشهد حادثة القتل الأولى، وأغرب من ذلك أن يعتبر العالم أن المملكة مدانة قبل أن تثبت التهمة أصلاً!

إنني لا أسعى إلى خلق أعذار، بقدر ما أحاول أن أكشف عن الحملة المسعورة التي تتعرض لها المملكة وقيادتها، وكأن البعض من الدول كان ينتظر هذه الحادثة، ليكشف أقنعته المزيفة تجاه المملكة وقيادتها وشعبها، والسؤال الأهم الذي يجب على كل مواطن أن يعيه لماذا ساد الافتراض من أعداء المملكة أن قتل خاشقجي تم بأوامر عليا؟ ولم يفترض أن الخطأ حدث من قِبل البعض وسيتم تقديمهم أمام العدالة في داخل المملكة أو خارجها؟ ولماذا التركيز على هذه القضية لتصبح قضية عالمية وأزمة وصلت إلى عنان السماء، على الرغم من أن حوادث القتل تنتشر في كل زمان ومكان وعلى مستوى اليوم والساعة؟

هل المراد من كل ذلك هو زج المملكة في خضم أزمة كان بعض دول العالم يترقب حدوثها وحدثت من خلال هذا الأمر؟ وهل بات العالم بالفعل يتحدث عن الإنصاف وحقوق الإنسان؟ وأنا أتساءل أين كانت حقوق الإنسان ضائعة وطائفة (الروهينقا) تباد على أيادي حكام ميانمار؟ أين كانت حقوق الإنسان والشعب السوري تجرب عليه جميع أنواع الأسلحة الأمريكية والروسية؟ وأين كان ضمير العالم الذي استيقظ فجأة حينما كانت غزة تضرب بالصواريخ ليلاً ونهاراً؟ لماذا هذا الاستيقاظ لهذا الضمير حول هذه القضية؟

إن الأخطاء واردة، وإن التعامل مع الأخطاء منهج يسير عليه الكثير من دول العالم، ألم تبذل إدارة أوباما كافة جهودها لقتل عميلها (سنودن) الذي لجأ إلى روسيا وكانت مستعدة لقتله؟ ثم لماذا لم يضج العالم حول قتل روسيا للعميل المزدوج (سيرغي سكريبل) وابنته على الأراضي البريطانية؟ لماذا لم نسمع أي منظمة حقوقية أو دولية تنبس ببنت شفة إزاء هذا الموضوع، فحتى بريطانيا التي وقعت الحادثة على أراضيها لم تقم بأي تصرف تجاه روسيا؟ فهل بات الضمير العالمي معروضاً في أسواق البورصة يباع ويشترى؟

إن المملكة وفور انتهاء التحقيقات صرحت للعالم أجمع بأن الحادثة وقعت وقتل جمال خاشقجي على يد الذين أتوا للتفاوض معه، وأثبتت التحقيقات تجاوزهم وخروجهم على سياسة ونهج المملكة وبدأت باتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، فلماذا يصم العالم أذنيه عن سماع الرواية السعودية التي يفترض العقل والمنطق سماعها؟ ويتجه لفرضية أن أوامر عليا أمرت بتصفية جمال خاشقجي فهل الغرض الوصول إلى الحقيقة أم أن الغاية هو الزج بالمملكة في أزمة كبيرة.

 
 

 

إننا لا نقلل من شأن الحادثة التي وقعت ونطلب ونصر على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد المخالفين والمرتكبين لهذه الحماقة، ليس لأجل شيء وإنما لأن من قتل مواطن سعودي محمي بالنظام والقانون الذي تسير عليه المملكة، ولكن بالمقابل ما نراه اليوم على القنوات الإعلامية والنشرات الإخبارية ووسائل الإعلام المختلفة لا يدل إلا على حقدٍ دفينٍ لدى الشرق والغرب على المملكة ومكانتها التي تبوأتها خلال العقود الماضية بفضلٍ من الله وحده ثم بفضل جهود وحكمة الملوك الذين جعلوها قبلة للناس في دنياهم بعد أن جعلها الله قبلة للعالمين في دينهم..

إن من المؤسف والمخجل أن نجد الكثيرين ممن تلطخت أياديهم بالدماء قد استيقظوا فجأة وصحت ضمائرهم وباتوا يتحدثون عن ما حدث على أنها جريمة هزت ضمائرهم التي لم تتحرك لأجل شعوب تباد وأناس تهرب وبشر يغرقون في البحار ولا منادٍ لكل هذا، بينما صار مقتل خاشقجي هو الشغل الشاغل حتى للنظام السوري الذي لم يتورع عن ضرب الأبرياء بالسلاح الكيماوي بات يتحدث عن الضمير وأمام المنظمة التي علقت الضمير على حائطها لترتديه وقتما تشاء.

ومن جانب آخر نشيد بفريق التحقيق السعودي الذي تمتع بمستوى عال من المهارة والخبرة على المستوى الدولي، والذي ساهم في تعجيل وإثبات الواقعة من حيث الإثبات للوفاة وتحديد أشخاص الجناة والذي وضع حداً لكل من أراد أن يستغل هذا الحدث المهم إعلاميا ودوليا.. وبما أن الأمر أصبح بيد القضاء وأن النيابة العامة في السعودية شرعت بالتحقيق لكشف الملابسات والأسباب وتقديم المتهمين للعدالة.. فمن الواجب انتظار إجراء التحقيق وعدم الخوض بهذا الأمر إلى أن يقول القضاء المختص كلمته الأخيرة.

إنني لا أدافع عن الجناة الذين ارتكبوا هذه الحماقة بحق الصحفي جمال خاشقجي (رحمه الله)، ولكني هنا ملزم بالدفاع عن وطني الذي أراه اليوم صار مقنصاً لكل رامٍ، ولست معنياً بأن يسمع العالم أو يقرأون كلامي بقدر ما أعني الشعب السعودي في المقام الأول، فما تتعرض له بلادنا اليوم يفوق أزمة مقتل شخص أو اثنين أو ثلاثة، وإنما هي نية مقصودة ومبيتة للنيل من المملكة لهذا السبب أو سواه.. وكأن الحاقدين على المملكة كانوا بانتظار أي فرصة للنيل منها بحادثة الخاشقجي أو غيرها.